فصل: الثاني: أن نعلم ونتيقن أن الله وحده خلق المخلوقات كلها: وخلق فيها الأثر.

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: موسوعة الفقه الإسلامي



.زيادة الإيمان:

.أصول الإيمان:

أصل الدين وأساسه هو الإيمان بالله عز وجل، واليقين على ذاته، وأسمائه، وصفاته، وأفعاله، وخزائنه، ووعده، ووعيده.
فهذه سبعة أصول يقوم عليها الإيمان بالله، ويزيد ويثمر.
وجميع الأعمال والعبادات مبناها وقبولها مبني على هذا الأصل العظيم.
فإذا زاد الإيمان، زادت الأعمال الصالحة، وحسنت الأخلاق، وصلحت الأحوال، وحصل رضا الله، فأسعد عبده في الدنيا، وأدخله الجنة في الآخرة.
وإذا ضعف الإيمان، نقصت الأعمال الصالحة، وفسدت الأخلاق، فساءت الأحوال، وحصل غضب الله، فشقي الإنسان في الدنيا، وأدخله الله النار في الآخرة.

.زيادة الإيمان:

حتى يأتي الإيمان في حياتنا ويزيد لابد من العلم بأمور:

.الأول: أن نعلم ونتيقن أن الله وحده خالق كل شيء.

فالعرش شيء، والكرسي شيء، والجنة شيء، والنار شيء، والسماوات شيء والأرض شيء، والله خالق كل شيء.
والشمس شيء، والقمر شيء، والنجوم شيء، والهواء شيء، والسحاب شيء، والله وحده خالق كل شيء.
والنبات شيء، والحيوان شيء، والإنس شيء، والجن شيء، والملائكة شيء، والجبال شيء، والبحار شيء، والله خالق كل شيء.
والدنيا شيء، والآخرة شيء، والله خالق كل شيء: {اللَّهُ خَالِقُ كُلِّ شَيْءٍ وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ وَكِيلٌ [62] لَهُ مَقَالِيدُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَالَّذِينَ كَفَرُوا بِآيَاتِ اللَّهِ أُولَئِكَ هُمُ الْخَاسِرُونَ [63]} [الزُّمَر: 62- 63].
نتكلم بذلك، ونسمعه، ونفكر به، وننظر في الآيات الكونية، والآيات القرآنية، نظر اعتبار وتفكر، حتى يرسخ الإيمان في قلوبنا، ونعرف ربنا، ويزيد إيماننا، وقد أمرنا الله عز وجل بذلك:
قال الله تعالى: {قُلِ انْظُرُوا مَاذَا فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَمَا تُغْنِي الْآيَاتُ وَالنُّذُرُ عَنْ قَوْمٍ لَا يُؤْمِنُونَ [101]} [يونس:101].
وقال الله تعالى: {أَفَلَا يَتَدَبَّرُونَ الْقُرْآنَ أَمْ عَلَى قُلُوبٍ أَقْفَالُهَا [24]} [محمد:24].
وقال الله تعالى: {وَإِذَا مَا أُنْزِلَتْ سُورَةٌ فَمِنْهُمْ مَنْ يَقُولُ أَيُّكُمْ زَادَتْهُ هَذِهِ إِيمَانًا فَأَمَّا الَّذِينَ آمَنُوا فَزَادَتْهُمْ إِيمَانًا وَهُمْ يَسْتَبْشِرُونَ [124]} [التوبة:124].

.الثاني: أن نعلم ونتيقن أن الله وحده خلق المخلوقات كلها: وخلق فيها الأثر.

خلق الشمس وخلق فيها الأثر وهو النور.. وخلق الحيوان وخلق فيه الأثر وهو الحياة، وخلق النبات وخلق فيه الأثر وهو الثمر.. وخلق النار وخلق فيها الأثر وهو الإحراق.
وخلق العين وخلق فيها الأثر وهو البصر.. وخلق الأذن وخلق فيها الأثر وهو السمع.. وخلق اللسان وخلق فيه الأثر وهو الكلام..
فكل مخلوق له من الله ثلاثة أوامر: أمر من الله بالخلق، وأمر بالبقاء، وأمر بالنفع والضر، فالله وحده الذي يملك الخلق والأمر.
قال الله تعالى: {أَلَا لَهُ الْخَلْقُ وَالْأَمْرُ تَبَارَكَ اللَّهُ رَبُّ الْعَالَمِينَ [54]} [الأعراف: 54].

.الثالث: أن نعلم ونتيقن أن الله وحده هو الذي يملك جميع المخلوقات، فلا يخرج منها ذرة عن ملكه وتدبيره.

فالسماء والأرض بيده، والإنس والجن بيده، والملوك والأمراء بيده، والأقوياء والضعفاء بيده.
فالله وحده هو الذي يتصرف في ملكه وخلقه، ويدبر الأمر كله في العالم العلوي والسفلي، حسب علمه وحكمته كيف شاء.
فقد يخلق الشيء ويسلب أثره بقدرته، فقد توجد العين ولا تبصر، والأذن ولا تسمع، واللسان ولا يتكلم، والنار ولا تحرق، والبحر ولا يغرق، والشجرة ولا تثمر، وقد فعل ذلك سبحانه؛ لأنه العليم القدير الذي يتصرف في الخلق كيف شاء، الملك {الَّذِي بِيَدِهِ الْمُلْكُ وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ [1]} [المُلك: 1].

.معرفة الرب:

كمال العبادة مبني على كمال الإيمان، وكمال الإيمان مبني على كمال معرفة الرب العظيم بأسمائه وصفاته.
وبعض القلوب تتأثر بالشيء أكثر من خالق الشيء، فتتعلق بالشيء وتغفل عن خالق الشيء.
والواجب على العبد صفاء الفكر الذي ينقله من المخلوقات إلى الخالق، ومن الصور إلى المصور، ومن الدنيا إلى الآخرة.
وبهذا النظر والفكر والتدبر يصل إلى ربه الذي خلقه وصوره فيعبده وحده لا شريك له.
قال الله تعالى: {قُلْ مَنْ يَرْزُقُكُمْ مِنَ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ أَمَّنْ يَمْلِكُ السَّمْعَ وَالْأَبْصَارَ وَمَنْ يُخْرِجُ الْحَيَّ مِنَ الْمَيِّتِ وَيُخْرِجُ الْمَيِّتَ مِنَ الْحَيِّ وَمَنْ يُدَبِّرُ الْأَمْرَ فَسَيَقُولُونَ اللَّهُ فَقُلْ أَفَلَا تَتَّقُونَ [31] فَذَلِكُمُ اللَّهُ رَبُّكُمُ الْحَقُّ فَمَاذَا بَعْدَ الْحَقِّ إِلَّا الضَّلَالُ فَأَنَّى تُصْرَفُونَ [32]} [يونس:31- 32].
الرابع: أن نعلم ونتيقن أن خزائن كل شيء عند الله وحده لا شريك له، فنسأله وحده، ولا نلتفت إلى غيره.
فهو الملك الغني الكريم الرحيم، وخزائنه مملوءة لا تنقص أبداً.
خزائن الطعام والشراب.. وخزائن الحبوب والثمار.. وخزائن الأموال والمعادن.. وخزائن المياه والبحار.. وخزائن الرياح والجبال.. وخزائن النبات والطير والحيوان.
وخزائن الرحمة والهداية.. وخزائن السلامة والعافية، وخزائن الأمن والتوفيق.. وخزائن العلم والإيمان، وخزائن الأخلاق والتقوى.. وغير ذلك مما لا يحصيه إلا الله.
فكل ما نحتاجه.. وكل ما نريد.. نطلبه من الله.. ونسأله إياه.. فهو سبحانه الكريم الصمد، قاضي الحاجات، ومجيب الدعوات، وخير المسؤولين، وأجزل المعطين، وأكرم الأكرمين.
لا مانع لما أعطى، ولا معطي لما منع.
قال الله تعالى: {وَإِنْ مِنْ شَيْءٍ إِلَّا عِنْدَنَا خَزَائِنُهُ وَمَا نُنَزِّلُهُ إِلَّا بِقَدَرٍ مَعْلُومٍ [21]} [الحِجر:21].
وقال الله تعالى: {وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌ أُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِ إِذَا دَعَانِ فَلْيَسْتَجِيبُوا لِي وَلْيُؤْمِنُوا بِي لَعَلَّهُمْ يَرْشُدُونَ [186]} [البقرة:186].
فمعرفة هذا كله يؤثر في القلب، ويزيد فيه الإيمان، ويحرك الجوارح لطاعة الملك القدوس السلام.
وكلما تكرر على القلب ازداد نوره، ونبتت فيه شعب الإيمان، فأقبل على طاعة ربه، وابتعد عن معاصيه.
هذا بالنسبة للمخلوقات، أما بالنسبة للأحوال فلابد من العلم بما يلي:
أن نعلم ونتيقن أن خالق جميع الأحوال هو الله وحده لا شريك له.
فخالق الليل والنهار هو الله.. وخالق النور والظلام هو الله.. وخالق الحياة والموت هو الله.. وخالق الأمن والخوف هو الله.. وخالق الصحة والمرض هو الله.. وخالق الغنى والفقر هو الله.. وخالق الفرح والحزن هو الله.. وخالق الضحك والبكاء هو الله.. وخالق الهداية والضلالة هو الله.. وخالق السعادة والشقاوة هو الله.
فهذه الأحوال وغيرها خلقها الله وحده لا شريك له.
قال الله تعالى: {ذَلِكُمُ اللَّهُ رَبُّكُمْ فَاعْبُدُوهُ أَفَلَا تَذَكَّرُونَ [3]} [يونس: 3].
وقال الله تعالى: {وَأَنَّهُ هُوَ أَضْحَكَ وَأَبْكَى [43] وَأَنَّهُ هُوَ أَمَاتَ وَأَحْيَا [44] وَأَنَّهُ خَلَقَ الزَّوْجَيْنِ الذَّكَرَ وَالْأُنْثَى [45] مِنْ نُطْفَةٍ إِذَا تُمْنَى [46] وَأَنَّ عَلَيْهِ النَّشْأَةَ الْأُخْرَى [47] وَأَنَّهُ هُوَ أَغْنَى وَأَقْنَى [48]} [النجم:43- 48].
أن نعلم ونتيقن أن الله وحده هو الذي يدبر الأمر، ويصرِّف جميع هذه الأحوال حسب حكمته وعلمه.
فلا يتبدل فقر الإنسان بالغنى إلا بأمر الله.. ولا يتبدل المرض بالصحة إلا بأمر الله.. ولا يتبدل الضحك بالبكاء إلا بأمر الله.. ولا تتغير العزة بالذلة إلا بأمر الله.. ولا تتغير الضلالة بالهداية إلا بأمر الله.. ولا يتبدل الكفر بالإيمان إلا بأمر الله.. ولا يتبدل الخوف بالأمن إلا بأمر الله، ولا يتبدل الحر بالبرد إلا بأمر الله.. وهكذا..
فتأتي الأحوال كلها بأمر الله سبحانه، وتزيد بأمره، وتنقص بأمره، وتزول بأمره.
فإذا عرف القلب ذلك، طلب تغيير الأحوال ممن خلقها وملكها وهو الله وحده لا شريك له، فعبد ربه وحده بما شرعه رسوله.
قال الله تعالى: {قُلِ اللَّهُمَّ مَالِكَ الْمُلْكِ تُؤْتِي الْمُلْكَ مَنْ تَشَاءُ وَتَنْزِعُ الْمُلْكَ مِمَّنْ تَشَاءُ وَتُعِزُّ مَنْ تَشَاءُ وَتُذِلُّ مَنْ تَشَاءُ بِيَدِكَ الْخَيْرُ إِنَّكَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ [26]} [آل عمران:26].
وقال الله تعالى: {قُلْ إِنَّ الْأَمْرَ كُلَّهُ لِلَّهِ [154]} [آل عمران: 154].
أن نعلم ونتيقن أن خزائن كل شيء عند الله وحده لا شريك له فالله هو الغني الحميد، فعلينا أن نسأله ونطلب منه أن يعطينا ما ينفعنا، ويمنع عنا ما يضرنا؛ لأنه الملك الكريم القادر، وخزائنه لا تنقص أبداً، الرب الصمد الذي صمد لجميع حوائج الخلق، وهو أكرم الأكرمين، فلندعوه ونسأله.
عَنْ أبِي ذَرٍّ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم، فِيمَا رَوَى عَنِ الله تَبَارَكَ وَتَعَالَى أنَّهُ قال: «يَا عِبَادِي! إِنِّي حَرَّمْتُ الظُّلْمَ عَلَى نَفْسِي وَجَعَلْتُهُ بَيْنَكُمْ مُحَرَّماً، فَلا تَظَالَمُوا، يَا عِبَادِي! كُلُّكُمْ ضَالٌّ إِلا مَنْ هَدَيْتُهُ، فَاسْتَهْدُونِي أهْدِكُمْ، يَا عِبَادِي! كُلُّكُمْ جَائِعٌ إِلا مَنْ أطْعَمْتُهُ، فَاسْتَطْعِمُونِي أطْعِمْكُمْ، يَا عِبَادِي! كُلُّكُمْ عَارٍ إِلا مَنْ كَسَوْتُهُ، فَاسْتَكْسُونِي أكْسُكُمْ، يَا عِبَادِي! إِنَّكُمْ تُخْطِئُونَ بِاللَّيْلِ وَالنَّهَارِ، وَأنَا أغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعاً، فَاسْتَغْفِرُونِي أغْفِرْ لَكُمْ، يَا عِبَادِي! إِنَّكُمْ لَنْ تَبْلُغُوا ضَرِّي فَتَضُرُّونِي، وَلَنْ تَبْلُغُوا نَفْعِي فَتَنْفَعُونِي، يَا عِبَادِي! لَوْ أنَّ أوَّلَكُمْ وَآخِرَكُمْ، وَإِنْسَكُمْ وَجِنَّكُمْ كَانُوا عَلَى أتْقَى قَلْبِ رَجُلٍ وَاحِدٍ مِنْكُمْ، مَا زَادَ ذَلِكَ فِي مُلْكِي شَيْئاً، يَا عِبَادِي! لَوْ أنَّ أوَّلَكُمْ وَآخِرَكُمْ، وَإِنْسَكُمْ وَجِنَّكُمْ كَانُوا عَلَى أفْجَرِ قَلْبِ رَجُلٍ وَاحِدٍ، مَا نَقَصَ ذَلِكَ مِنْ مُلْكِي شَيْئاً، يَا عِبَادِي! لَوْ أنَّ أوَّلَكُمْ وَآخِرَكُمْ، وَإِنْسَكُمْ وَجِنَّكُمْ، قَامُوا فِي صَعِيدٍ وَاحِدٍ فَسَألُونِي، فَأعْطَيْتُ كُلَّ إِنْسَانٍ مَسْألَتَهُ، مَا نَقَصَ ذَلِكَ مِمَّا عِنْدِي إِلا كَمَا يَنْقُصُ المِخْيَطُ إِذَا أدْخِلَ البَحْرَ، يَا عِبَادِي! إِنَّمَا هِيَ أعْمَالُكُمْ أحْصِيهَا لَكُمْ ثُمَّ أوَفِّيكُمْ إِيَّاهَا، فَمَنْ وَجَدَ خَيْراً فَلْيَحْمَدِ اللهَ، وَمَنْ وَجَدَ غَيْرَ ذَلِكَ فَلا يَلُومَنَّ إِلا نَفْسَهُ» أخرجه مسلم.

.فقه العلم بقدرة الله:

الله جل جلاله هو الرب الذي له الأسماء الحسنى والصفات العلا، العليم بكل شيء، المحيط بكل شيء، القادر على كل شيء، هو الذي خلق السماوات والأرض، وهو الذي يمسك السماء أن تقع على الأرض، وهو الذي خلق الشمس والقمر والنجوم، وخلق التراب والنبات والحيوان والإنسان، يفعل ما يشاء، ويحكم ما يريد، ويدبر الأمر، حي قيوم لا تأخذه سنة ولا نوم هو الملك، وكل ما سواه مملوك له.
وهو الغني، وكل ما سواه فقير إليه.
وهو القادر، وكل ما سواه عاجز.
فالله وحده هو القادر على كل شيء، وقدرة الله مطلقة.
يخلق ما يشاء، ويفعل ما يشاء، ويحكم ما يريد، لأنه الملك الذي يملك كل شيء، ولا يعجزه شيء.
أحياناً يعطي ويرزق بالأسباب، كما جعل الماء سبباً للإنبات، والتقاء الذكر بالأنثى سبباً للإنجاب، والنار سبباً للإحراق.
ونحن في دار الأسباب، فنأخذ بالأسباب المشروعة، ولا نتوكل إلا على الله.
وأحياناً الله يعطي ويرزق بدون الأسباب، يقول للشيء كن فيكون، كما رزق مريم طعاماً بلا شجر، وابناً بلا ذكر.
وأحياناً الله يستعمل قدرته بضد الأسباب، كما جعل النار برداً وسلاماً على إبراهيم عليه السلام، وكما نجى موسى عليه السلام والمؤمنين معه، وأغرق فرعون وقومه في البحر، وكما نصر موسى عليه السلام بأسباب الذلة، وخذل فرعون بأسباب العزة. وكما نجّى يونس عليه السلام في ظلمة بطن الحوت والبحر، وإذا عرف القلب أن الله على كل شيء قدير، وأن كل ما سواه عاجز فقير، وأنه الملك الذي يملك كل شيء، آمن به، وعظمه وكبره، وحمده وشكره، ودعاه وسأله.
قال الله تعالى: {اللَّهُ خَالِقُ كُلِّ شَيْءٍ وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ وَكِيلٌ [62] لَهُ مَقَالِيدُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَالَّذِينَ كَفَرُوا بِآيَاتِ اللَّهِ أُولَئِكَ هُمُ الْخَاسِرُونَ [63]} [الزُّمَر:62- 63].
وقال الله تعالى: {إِنَّمَا أَمْرُهُ إِذَا أَرَادَ شَيْئًا أَنْ يَقُولَ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ [82]} [يس:82].
وقال الله تعالى: {اللَّهُ الَّذِي خَلَقَ سَبْعَ سَمَاوَاتٍ وَمِنَ الْأَرْضِ مِثْلَهُنَّ يَتَنَزَّلُ الْأَمْرُ بَيْنَهُنَّ لِتَعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ وَأَنَّ اللَّهَ قَدْ أَحَاطَ بِكُلِّ شَيْءٍ عِلْمًا [12]} [الطلاق:12].

.فقه معرفة علم الله:

الله تبارك وتعالى هو وحده العليم بكل شيء.
يعلم عدد الذرات والنجوم، وعدد الأرواح والملائكة، وعدد الطير والحيوان، وعدد الإنس والجن.
ويعلم مثاقيل الجبال، ومكاييل البحار، وعدد قطر الأمطار، وعدد ورق الأشجار، وكل ما أظلم عليه الليل وأشرق عليه النهار.
لا تواري منه سماء سماءً، ولا أرض أرضاً، ولا جبل ما في وعره، ولا بحر ما في قعره، ولا صدر ما في قلبه.
ويعلم سبحانه وحده ما يقع في كل لحظة من النيات، والأقوال والأعمال، والحركات والسكنات، والتصرفات، والآثار، والكلمات والأنفاس.
ويعلم جل جلاله كل شيء.
القريب والبعيد.. والظاهر والباطن.. والقليل والكثير.. والكبير والصغير.. والمؤمن والكافر.. والصادق والكاذب، والبر والفاجر..
والسر والجهر.. والغيب والشهادة.
والله جل جلاله أحاط علمه بكل شيء، أحاط علمه بالبشر وحركاتهم.. فهم في قبضته وتحت تصرفه.
لا ينامون ولا يقومون إلا بإذنه.. ولا يتحركون ولا يسكنون إلا بإذنه.. ولا يطيعون ولا يعصون إلا بعلمه.. وعليهم ملائكة يحصون ما عملوه من خير أو شر.
فالله سبحانه هو العليم بكل شيء، وكل علم في العالم من علمه، وسع علمه جميع خلقه، فلا يفلت عن علم الله شيء في الأرض ولا في السماء، ولا يمكن ستر النوايا عليه، ولا إخفاء الكيد عنه، ولا ستر الشرك والنفاق عنه.
فكل شيء معلوم لعلام الغيوب.
وإذا تغذى القلب بهذا العلم، وهذه المعرفة، أناب إلى ربه، وخضع له، ووقف ببابه، واستحيا منه، وعبده وأطاعه.
قال الله تعالى: {قُلْ إِنْ تُخْفُوا مَا فِي صُدُورِكُمْ أَوْ تُبْدُوهُ يَعْلَمْهُ اللَّهُ وَيَعْلَمُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ وَاللَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ [29]} [آل عمران:29].
وقال الله تعالى: {يَابُنَيَّ إِنَّهَا إِنْ تَكُ مِثْقَالَ حَبَّةٍ مِنْ خَرْدَلٍ فَتَكُنْ فِي صَخْرَةٍ أَوْ فِي السَّمَاوَاتِ أَوْ فِي الْأَرْضِ يَأْتِ بِهَا اللَّهُ إِنَّ اللَّهَ لَطِيفٌ خَبِيرٌ [16]} [لقمان:16].
وقال الله تعالى: {وَعِنْدَهُ مَفَاتِحُ الْغَيْبِ لَا يَعْلَمُهَا إِلَّا هُوَ وَيَعْلَمُ مَا فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ وَمَا تَسْقُطُ مِنْ وَرَقَةٍ إِلَّا يَعْلَمُهَا وَلَا حَبَّةٍ فِي ظُلُمَاتِ الْأَرْضِ وَلَا رَطْبٍ وَلَا يَابِسٍ إِلَّا فِي كِتَابٍ مُبِينٍ [59]} [الأنعام:59].
وقال الله تعالى: {رَبَّنَا إِنَّكَ تَعْلَمُ مَا نُخْفِي وَمَا نُعْلِنُ وَمَا يَخْفَى عَلَى اللَّهِ مِنْ شَيْءٍ فِي الْأَرْضِ وَلَا فِي السَّمَاءِ [38]} [إبراهيم:38].

.فقه العلم برحمة الله:

الله تبارك وتعالى هو الرحمن الرحيم، الذي وسعت رحمته كل شيء خَلَقه في السماء والأرض، وفي الدنيا والآخرة.
ورحمة الله تتجلى على الخلائق عامة، وعلى البشر خاصة، تتجلى ابتداءً في وجود البشر أنفسهم.. وفي تكريم بني آدم على العالمين.. وفي تسخير ما في هذا الكون العظيم من النعم والأرزاق لهم.. وفي هداية الإنسان للإيمان الذي يسعد به في دنياه وأخراه.. وفي تعليم الإنسان ما لم يعلم.. وموالاة إرسال الرسل إليه بالهدى كلما نسي أو ضل.
وتتجلى في مجازاة العبد على السيئة بمثلها، ومجازاته على الحسنة بعشر أمثالها.. إلى سبعمائة ضعف، إلى أضعاف كثيرة.
وتتجلى في محو السيئة بالحسنة.. وفي تبديل سيئات من تاب حسنات.. وفي تجاوز الله عن السيئات التي عملها العبد بجهالة ثم تاب.. وفي ملء سماواته بالملائكة الذين يسبحون بحمد ربهم ويستغفرون لمن في الأرض.
وتتجلى كذلك في أن ربنا كتب على نفسه الرحمة، فهي على الخلق عامة، وعلى بني آدم خاصة، وعلى المؤمنين بشكل أخص.
وتتجلى كذلك في إكرام المؤمنين بدخول الجنة، ووقايتهم من النار.
وإذا عرف القلب هذه العناية العظيمة من الرب بالإنسان، وعرف إحسان المولى الكريم، وعلم مقدار رحمة أرحم الراحمين، وأدرك هذا التحنن والتحبب، والعطف والتلطف، من المولى لعباده، عرف عظمة رحمة رب العالمين.
فآمن بربه.. وأقبل على عبادته، وسارع إلى طاعته، واستحى من معصيته، لمعرفته بكمال علمه وعظمته وجزيل نعمه.
قال الله تعالى: {وَلَقَدْ كَرَّمْنَا بَنِي آدَمَ وَحَمَلْنَاهُمْ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ وَرَزَقْنَاهُمْ مِنَ الطَّيِّبَاتِ وَفَضَّلْنَاهُمْ عَلَى كَثِيرٍ مِمَّنْ خَلَقْنَا تَفْضِيلًا [70]} [الإسراء:70].
وقال الله تعالى: {وَاللَّهُ أَخْرَجَكُمْ مِنْ بُطُونِ أُمَّهَاتِكُمْ لَا تَعْلَمُونَ شَيْئًا وَجَعَلَ لَكُمُ السَّمْعَ وَالْأَبْصَارَ وَالْأَفْئِدَةَ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ [78]} [النحل:78].
وقال الله تعالى: {كَتَبَ رَبُّكُمْ عَلَى نَفْسِهِ الرَّحْمَةَ أَنَّهُ مَنْ عَمِلَ مِنْكُمْ سُوءًا بِجَهَالَةٍ ثُمَّ تَابَ مِنْ بَعْدِهِ وَأَصْلَحَ فَأَنَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ [54]} [الأنعام: 54].
وقال الله تعالى: {مَا يَفْتَحِ اللَّهُ لِلنَّاسِ مِنْ رَحْمَةٍ فَلَا مُمْسِكَ لَهَا وَمَا يُمْسِكْ فَلَا مُرْسِلَ لَهُ مِنْ بَعْدِهِ وَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ [2]} [فاطر:2].

.فقه العلم بعظمة الله:

الله تبارك وتعالى وحده هو العلي العظيم.
العظيم في ذاته.. العظيم في أسمائه وصفاته.. العظيم في خلقه وأمره.. العظيم في دينه وشرعه.. العظيم في ملكه وسلطانه.. العظيم في عدله وإحسانه.. العظيم في ثوابه وعقابه.. هو العظيم الذي لا أعظم منه، الكبير الذي لا أكبر منه، القوي الذي لا أقوى منه، العليم الذي لا أعلم منه، الرحمن الذي لا أرحم منه، الغني الذي لا أغنى منه، الهادي الذي لا أهدى منه، اللطيف الذي لا ألطف منه، القدير الذي لا أقدر منه.
هو الأول فليس قبله شيء.. وهو الآخر فليس بعده شيء.. وهو الظاهر فليس فوقه شيء.. وهو الباطن فليس دونه شيء.
وهو عالم الغيب والشهادة، وعالم السر والجهر، الذي يعلم ما كان وما يكون وما سيكون، ولا يعزب عنه مثقال ذرة.
وهو الخالق العظيم الذي خلق العرش والكرسي، وخلق السماوات والأرض، وخلق الدنيا والآخرة.
خلق أعظم شيء وهو العرش.. وخلق أصغر شيء وهو الذرة.. وخلق كافة المخلوقات بينها، لتدل على عظمته وكمال قدرته.
وإذا أخذنا خلقاً واحداً من أضعف المخلوقات وأصغرها وهو الذرة، وجدنا أن الخالق العظيم ملأ به الكون كله.
فذرات الغرفة كالذرة بالنسبة لذرات البيت.. وذرات البيت كالذرة بالنسبة لذرات المدينة... وذرات المدينة كالذرة بالنسبة لذرات الدولة.. وذرات الدولة كالذرة بالنسبة لذرات القارة..
وذرات القارة كالذرة بالنسبة لباقي الأرض.
وذرات الأرض كلها كالذرة بالنسبة لذرات الجو.. وذرات الجو كالذرة بالنسبة لذرات السماوات السبع.
وذرات السماوات والأرض كالذرة بالنسبة لذرات الجنة والنار..
وذرات الدنيا والآخرة كالذرة بالنسبة لذرات الكرسي.. وذرات الكرسي كالذرة بالنسبة لذرات العرش العظيم..
وكل ذرة من هذه الذرات التي لا يحصيها إلا الله لها من ربها أمر بالإيجاد.. وأمر بالبقاء.. وأمر بالحركة والسكون.. وأمر بالصعود والهبوط.. وأمر بالنفع والضر.
وهذه الذرات كلها الله يعلمها ويعلم مكانها ويراها، ولا يخفى عليه منها ذرة واحدة في جميع ملكه العظيم.
فهذه عظمة الله وقدرته في خلق واحد من أضعف المخلوقات وهو الذرة، فكيف بعظيم الكائنات الأخرى كالسماوات والأرض، والجبال والبحار.. والحيوان والنبات، والشمس والقمر، والنجوم والملائكة.. والكرسي والعرش.
وكم تكون عظمة العظيم العزيز الجبار المتكبر الذي خلقها وصورها.
فما أعظم ملكه.. وما أعظم خلقه.. وما أعظم أمره.. وما أوسع علمه.. وما أعظم قدرته، وما أوسع رحمته.. وما ألطف تدبيره.. وما أحسن خلقه.
وإذا عرف القلب عظمة الله وجلاله، آمن به، وخشع له، وأناب إليه، وأحبه، وعبده، وأطاعه.
قال الله تعالى: {اللَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ الْحَيُّ الْقَيُّومُ لَا تَأْخُذُهُ سِنَةٌ وَلَا نَوْمٌ لَهُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ مَنْ ذَا الَّذِي يَشْفَعُ عِنْدَهُ إِلَّا بِإِذْنِهِ يَعْلَمُ مَا بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَمَا خَلْفَهُمْ وَلَا يُحِيطُونَ بِشَيْءٍ مِنْ عِلْمِهِ إِلَّا بِمَا شَاءَ وَسِعَ كُرْسِيُّهُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ وَلَا يَئُودُهُ حِفْظُهُمَا وَهُوَ الْعَلِيُّ الْعَظِيمُ [255]} [البقرة:255].
وقال الله تعالى: {هُوَ اللَّهُ الَّذِي لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ عَالِمُ الْغَيْبِ وَالشَّهَادَةِ هُوَ الرَّحْمَنُ الرَّحِيمُ [22] هُوَ اللَّهُ الَّذِي لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ الْمَلِكُ الْقُدُّوسُ السَّلَامُ الْمُؤْمِنُ الْمُهَيْمِنُ الْعَزِيزُ الْجَبَّارُ الْمُتَكَبِّرُ سُبْحَانَ اللَّهِ عَمَّا يُشْرِكُونَ [23] هُوَ اللَّهُ الْخَالِقُ الْبَارِئُ الْمُصَوِّرُ لَهُ الْأَسْمَاءُ الْحُسْنَى يُسَبِّحُ لَهُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ [24]} [الحشر:22- 24].
وقال الله تعالى: {وَمَا قَدَرُوا اللَّهَ حَقَّ قَدْرِهِ وَالْأَرْضُ جَمِيعًا قَبْضَتُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَالسَّمَاوَاتُ مَطْوِيَّاتٌ بِيَمِينِهِ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى عَمَّا يُشْرِكُونَ [67]} [الزُّمَر:67].
وقال الله تعالى: {وَمَا تَكُونُ فِي شَأْنٍ وَمَا تَتْلُو مِنْهُ مِنْ قُرْآنٍ وَلَا تَعْمَلُونَ مِنْ عَمَلٍ إِلَّا كُنَّا عَلَيْكُمْ شُهُودًا إِذْ تُفِيضُونَ فِيهِ وَمَا يَعْزُبُ عَنْ رَبِّكَ مِنْ مِثْقَالِ ذَرَّةٍ فِي الْأَرْضِ وَلَا فِي السَّمَاءِ وَلَا أَصْغَرَ مِنْ ذَلِكَ وَلَا أَكْبَرَ إِلَّا فِي كِتَابٍ مُبِينٍ [61]} [يونس:61].
وقال الله تعالى: {ذَلِكُمُ اللَّهُ رَبُّكُمْ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ خَالِقُ كُلِّ شَيْءٍ فَاعْبُدُوهُ وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ وَكِيلٌ [102]} [الأنعام:102].